الشاعر عصام ملكي يبكي رحيل زوجة صديقه الوفي سليم الشدياق، فلقد غيّبها الموت عن حياته المملؤة بالحب والعطاء، وعن عيون أفراد عائلتها، الذين أدمتهم المصيبة وهم في أشد الحاجة الى وجود الأم بينهم. وها هو الشعر يبكيها بدموع حمراء، ويعزي بشري بخسارة فلذة كبدها:
إن أنسى لا أنسى تلك الزيارة التي قمت بها الى منطقة "كمبلتاون" حيث يسكن الشاعر الصديق عصام ملكي، وكانت الساعة تقارب الرابعة والنصف بعد الظهر، فإذا به يدعوني الى الجلوس في حديقة منزله، لأمتّع ناظريّ بمشهد قد لا أراه طوال عمري، وما هي إلا لحظات حتى أطلت أسراب الطيور الملونة، وراحت تغط على رأس وأكتاف الشاعر ملكي، وكأنها صديقته الوفية، في زمن قلّ به الأصدقاء.
عصام، بكرمه الزائد، راح يطعمها بيديه، وهي تأكل بفرح منقطع النظير، لا بل كانت تقبل خديه بين الحين والآخر، وكأنها تريد أن تقول له، بطريقتها الخاصة: شكراً.
وأذكر أنني صرخت بأعلى صوتي، بعد الانتهاء من هذا المهرجان العصفوري الرائع: أنت يا عصام ملك الطيور. وما ان ناديته بملك الطيور حتى ارتجل ما يلي: شعري شعاعو ولّع نجوم الفلك وقلّي المعنى عندنا مستقبلك وشربل بعيني قال منصوّت الك ولمّا لقيت الكيف احساسي امتلك العصفور قلّي بزقزقه شاعر عظيم وهلّق علينا صرت يا ملكي ملك شربل بعيني **
انا بها الكون ما نسّم هوايي متل ما بريد والمشكل حكايه البرد طوفان وبعيده الحراره وبلايي مش عم بيقعد بلايي شعب تعبان ما عندو اداره بسوء الفهم بيقول الشرايه واحد بالكذب عندو شطاره وواحد بالشعر كهرب سمايي وواحد من بني ادم عفاره بيشوف الحال قدام المرايه
المحبه وينها ووين الطهاره المنها مش عم منقشع كفايه قلوب الناس صارت من حجاره ومن الشرير ما عنا حمايه الحضاره بها العصر منها حضاره الديانه واقفه والكفر ماشي نهاية ها الدني عاالدرب جايي
انا انسان ما بيوقف انينو ولشوفة حال عم يقوى حنينو مواس بعرض بالع بالطفوله وعذابي واجه السبع بعرينو
عا طول بقول للناس ابعتولي حدا فهمان انتو مجربينو بدي معرفه وبدي رجوله وبدي القادر بميزان زينو
هللي بيدعي انو اصولي خدمني الحظ لما عرفت مينو انطعمتو مرحبا لساني اقطعولي لأنو ملوّن ومحروق دينو
ولأنو قصتو صارت مهوله ضروري بالشعر قرّص عجينو لأنو للوفا اربع فصولي ما بقعد عا السكت كرمال عينو وبعرس الشعر ما بوقف شبينو
حالف يمين وقلت ما براضي المنو حدا اسباب امراضي قلي ضميري خاطري مجروح وما بنعرف زعلان ام راضي
قلت الجسد صاير بدون الروح وبيجوز بدها الروح بعواضي وعا الوزن ما عندي جمع مطروح ويوم الفرح صاير فعل ماضي
ولما سالت العم يهد صروح وعا بياض كنت لحضرتو ماضي شوباك ضمّك شايفو مفتوح والجمع قسمه ومجرمك قاضي
وكان السؤال على السمع مطروح وصادي الو ما عملتها ضاضي مش عم بشوفك وين عم بتروح قلي انا ما بلحّق مشاوير ليل ونهار بروح عا الفاضي
انا بالشعر مكتبلي كتيبه تا قيم قيامتو وجند كتيبه اطلبو مني قصيد الارتجالي انا وبالمدرسه كرهت الكتيبه اذا صوتي انطرح بيكون عالي وسكوتي ضجة الصمت الرهيبه شفت عا مراية التفكير حالي ولحالي قلت: كيفك يا حبيبي؟ اللي قلبو منقطع مش من رجالي بقطع الروس عم إقطع نصيبي بدون مبالغة واسع خيالي الحروف بيعشقو مروجي الخصيبه ورجال الشعر هربو من مجالي لاني كلما انزل واطلع عا خشبة منبري بعمل عجيبه
انا ان قلت مني عم بكابر عا رفع المستوى الشعري مثابر لاني مارد وعا صحن كفي بعصر الفكر عمرت المنابر ضروري المدعي بالشعر صفي وعا هل بيكسرو سد المعابر حلفت عا منبري ما بحب لفي الما عندو منزله بلفي الاكابر ويا هل عم تسمعو كلام الموفي ديونو وخاطر الالهام جابر لازم تعرفو مش هون صفي تا إقشع خلقتو عالجمر صابر العا وجه الارض بعدن بالملفه مع الصاروخ ما بتمشي الطنابر اذا بدكم تا كفي يهز دفي وبدكم تسمعو النبره القويه قيمو الميتين من المقابر
وانا من مقلعي الجوعان عفر بربيع المرجله ما كنت اصفر مجال النسر ازغر من مجالي تا حافظ عالمعنى فتحت مخفر انا من ا رض لبنان الشمالي خيالي كلمة المش خرج سفر بوعي والهام عم اجبل مقالي ومن الجولات عم اطلع مظفر لما الرب شطب عالجهاله وقال: وجودها الانسان كفر فكر للشعر يعمل رساله بعدما نفخ الشاعر وصفر وتا يهدا اسعد الخوري الفغالي ورشيد وروكز وكلمن توفر قلن عالهدا وبصوت عالي: ما بدي تنزلو عالارض عندي عصام البعرفو شاعر غضنفر
اتركوني حلق بجوي اتركوني لشعري من السما عم جيب مونه ما بدي بين نقصه وبين هله عني تسألو يا تقبروني انا بالشعر ما بحتك باللي عا خشبة منبرو بيطلب معونه لأني شامخ وعملاق ظلي وعا صدر الابجديه متل قونه بكلامي ما لقو النقاد عله لاني بحكمتي جبلت المرونه وبشعر الارتجالي رويت غلي وعيون الشعر بالواقع عيوني الحقيقه بقولها وابيض سجلي اصلبوني ان كان مش صح اصلبوني كوني شاعر ومن غير مله قبل ما الديك بالأوفات يطلع هلي بيحسدوني ينكروني
انا بالشعر حاكم هالولايه المعنى ما الو قيمه بلايي بشعر المرتجل عندي مهمه تا اطعم كل متمرد بلايي قلت للابجديه: هون شمي العبير العالدرب رايح وجايي لاني صاحب الكلمه المهمه ولاني من المدى آخد مدايي اذا وجدانك تعرف عا ذمه واذا بتشوف حالك عالمرايه شوف اللي نزل عن راس قمه تا حتى يعلمك كيف القرايه قلت للنفس: دخل الرب امي الربوع البلحلا ملها نهايه عا كل مقاطعه وعا كل امه ابعتي مشاوير تشرح مستوايي لا بيي بعدك ولا انت امي انت عا منبرك ابن الحكايه لما صرت بالاخلاق امي حرف الميم من اسمي حذفتو تا علم جلدك متيلة عصايي.
قالت الي البتقول بالمونه: بالحب لونك ما بقا لوني اكتر من المكتوب ما بتعيش عا صحتك عم يظهر التشويش يوم النهايه كل حالو جاب منشان بكرا يخبط على الباب ويقول: يلله فل من هوني
جاوبتها: عارف انا من زمان قولي لغيري هالكلام الآن وقولي لهلي بآخر سنينو ما عاد عم يعرف محبينو بعرف انا يا طالعه بها الصوت الانسان هوي وعا فراش الموت بيصير كلو عاطفه وإيمان
السلم ما لازم تحملي بالعرض ويكون حبك عالخليقه فرض بكرا بعدما ضب حالي وروح واترك ورايي خاطري المجروح ان كان عندك عاطفه رقيقه ابقي عا قبري اوقفي دقيقه وقولي: يا دلو صار تحت الارض.
ماشي وورايي ساحب العتمه والحظ قلي: ما إجا رقمي وحق السما من حرقتي عم دوب والسوق فاضي من صبر ايوب مش بس صارت دمعتي طوفان شايف زماني من الدني هربان وعا راس صابيع الغضب نقمه
هوني جهنم هون والجنه يلله تعي موال تا تغني ضيعت حالي بين وين ووين بالرغم إني مفتح العينين ولما خيالك دخن سواكير عزمت الحكي عا شهوة التفكير تا إسألك: شو سامعه عني؟
وقلتلها: فيي الف انه ان كنت بدي جن لا تجني إلنا المنيه عم تقدم كاس وانتي وانا صرنا بدون أساس وما زال نجم الحظ عنا غاب وما زال بكرا رح نصير تراب شو ما قلت، لا تزعلي مني
أذن الشاعر عصام ملكي موسيقية لدرجة قصوى، فما من بيت شعري واقف، كي لا أقول مكسوراً، إلا ويلتقطه رغم محاولة الشاعر تغطيته بصوته الخلاب، وبموسيقى الدف والطبلة وتصفيق الجمهور.
كبار الشعراء تمكن عصام من أن يكشف هفواتهم الشعرية، التي كان من الممكن تفاديها، وكان يتصل بي ويسمعني على الهاتف ما يغني احد الشعراء (الكبار) فاقول له: هذا شعر مكسور، فيجيب: مظبوط.. وما عليه سوى استبدال كلمة بكلمة كي ينساب الوزن كشلال ماء. ومن وحي محادثاتنا كانت هذه القصيدة:
يا عاشقين الشعر شربل بعيني قال بدولة زجلنا الحكم منو ديموقراطي بيت العا موجه سبح تا يجيب شوفة حال ومنو زياده هرب من خلقتو الشاطي مش كل ردة شعر منقول عنها عال وقديس ما بينسما اللي منعرفو خاطي هلي ما منو نوى صارو حروفو تقال عا السوق كلما نزل عم يطلع عياطي وقت اللي طق الحنك بالجو جال وصال ما ضل عند الصبر غبرة احتياطي شعر اللي هوي "شعر" عا الحفظ ما بيوصال عزمتو تا حتى يجي ويمرق تحت باطي فلانات الهم قلت انو الوزن بطال وعشرين مره كنت رح اسحب قشاطي من هيك كلما طلع عا منبرو القلقال وللناس قدم صور منها الوعي مفقود بتعلق حروفو الهجا بلسان صباطي ـــــــــــ
التعليقات
**
جان مفرّج يقول:
شربل كلامك عا الصدق باني
مقالك جميل بحضرتو تهنى
السبعه ما فينا نقلها تماني
ولا أحمد محمد أبو حنّا
**
انور سليمان يقول:
يا عصام الحق عم تحكي
حقك اذا من غيرك بتشكي
للجاليه ساعة ما بدك قول
ملكي أنا وشعر الزجل ملكي
**
جورج خوري ـ لبنان يقول:
كلامك يا شربل للمطالع عيد
المنهم حدا عن ضهرنا يحلّو
بقول بصراحه والكلام بعيد
موضوعك بشرعي دهب كلو
**
ميشال يوسف يقول:
منّك يا ملكي صوت صارخ بالودا
وما في خبر بتقول عنّو مبتدا
حقّك بشرعي تقول وتعيد الكلام
المنهم حدا لا يعملو حالن حدا
**
نزيه نجار ـ كندا:
يا شربل بعيني البلاغه وين
كترو اللي عما يعملو ضجه
واحد لحالو قال يخزي العين
والراهبه بيقلها حجه
وواحد عن الخمسه بيقول تنين
وكلمة اذا ما بيعرف يهجّي
كتار اللي بدهم شمط بالدينين
من ها المصايب ربنا ينجّي
** روكز روكز ـ لبنان: يا ملكي عندك بسيدني سفاره بعباره مش عم بتبدل عباره و"بعيني" للمدى وصّل سلامو بمجله كلنا عليها غيارى فيها الحرف عم يحفظ مقامو ولكل مناسبه بيعمل زياره عطى الايام دمعو وابتسامو بلسان الحال ما بيعمل تجاره البيقولوا المرفع بساعة صيامو لقلب المجتمع جابو المراره شربل قال وبقدّر كلامو ما فيهم يطلعو فوق المنابر "الغربه" هون بوليس الاشاره **
يا بيوت شعري من قفا ايدي اطلعو لا تفتحو شبابيك للي بيسمعو من هالدني رايح، حروفي تقاطعو وتكت السفر ما عرفت مين القاطعو هرّيت مني قبل ما يطل الخريف وجايي عبكرا ياخد شلوشي معو
عصام ملكي، هاجر لبنان يافعاً، الى أوستراليا حاملاً شعره في قلبه، فكبر قلبه، وضاء شعره، وزاد العطاء، وأصبح من الشعراء الذين يشار اليهم بالبنان في كل ديرة ومكان. عصام ملكي شاعر كبير يستحق أن يكون أمير الزجل في أوستراليا بدون منازع ميشال قهوجي ـ 1968
عصام ملكي شاعر كبير ومن مميزات شعره سرعة الخاطر والارتجال مع المحافظة على عمق المعنى وجمال الصورة. عاش حياته في الغربة، وبقيت جذوره في لبنان، وهكذا فإنه شبيه بشجرة باسقة تخيم ظلالها على الوطن والمهجر معا موسى زغيب ـ رئيس جوقة القلعة 2004
عصام ملكي شاعر خلاق، لم يعرف لبنان ولا المهجر شاعراً بوزنه منذ خمسين سنة حتى يومنا هذا أنيس الفغالي ـ 1990
طريقة عصام ملكي في الشعر تختلف عن طريقتنا فشعرنا منبري وشعره "نسيج وحده" نهنئه على شاعريته الوقادة زغلول الدامور ـ جوزيف الهاشم 1990
عصام ملكي شاعر جبار عندما يكتب وبطل عندما يرتجل زين شعيب ـ 1989
عصام ملكي شاعر جبار من شعرائنا قل نظيره جان رعد ـ 1989
قصائده مخلصة للأوزان متراصة المعاني فلا فراغ بين شطر وشطر بل سياق معان متتالية وترتدي كلماته أحياناً وجهين للمعنى يزيدانها غنى وكل قصيدة تنتهي بدهشة وديع سعادة ـ 2004
ألم وقلم.. للشاعر عصام ملكي، منجيرة لا تسأم بحّتها، فكأنما هي، في ذاتها خارج ذاتها، تفتّش عن شيء جديد، عن عالم جديد، عن مجد جديد، تستطيب بسرعة الخيال قابلية الانفعال، فتموسقها أنغاماً مجنحة في شجا دائم الاشعاع
نعيم خوري
لا يمكن لأي ناقد أن ينكر الأبعاد الفنية لقصائد الشاعر عصام ملكي، خصوصاً حين يعمد الى توظيف الدلالات والرموز، ويستخدم لغة مزدوجة ذات احتمالا ووجوه متعددة، ويغيّر في وظائف العبارة، ليضع قصيدته "الزجلية" في موقع متقدّم من الشعر العامي المهجري
د. جميل الدويهي
وما ديوان "شقفة حجر" الى جانب شقيقيه "دمع ودم" و"ألم وقلم" باكورة منشورات عصام ملكي الشعرية، فقد سبق هذه التوائم ديوان "عذاب الحب" عام 1973. وليس معنى هذا أن ملكة الشعر تأخّرت عند عصام، إنما يعني أن عصاماً المثقل بمواسم السنين قد بدأ يلمّ بعض غلاله عن البيادر
جوزاف بو ملحم
ويبقى عصام ملكي القصيدة التي خطّتها أصابع الموهبة على صفحة مشرقة من ديوان شعرنا المهجري، ليغتني بها الحرف، وترددها الأفئدة جيلاً بعد جيل
شربل بعيني