الصفحات

ننشر في هذا الموقع أشعار الشاعر الكبير عصام ملكي

المدعون بالملوكية في مجالاتهم

بكلّ أمانة وإخلاص، أقول بأنني تردّدت كثيرا في كتابة إنطباعاتي الشخصية عن وضع صار – بكل أسف  - واقعا معيوشا ومهيمنا على عقول وتصرفات الكثيرين في مختلف نواحي الحياة السياسية والإجتماعية والأدبية والشعرية ... وقبل الخوض في غمار هذا الواقع المؤسف اجد من الضرورة أن اشير الى أن ما دفعني الآن الى كتابة هذا التعليق هو ما كنت أسمعه وسمعته مؤخرا في إحدى المناسبات الإجتماعية..حيث تطرّق بعضهم الى الإدعاء – وبكلّ صلفٍ وتعالٍ وتجبّرٍ وتكبّرٍ وتشاوفٍ - بأنهم يعتبرون أنفسهم في مكانة رفيعة ومتسامية جدا تفوق مكانة كلّ الآخرين الذين هم في مرتبة ادنى منهم كثيرا ...... وذهب بعضهم في هذا الإدعاء الى درجة انهم تجاوزوا جميع الحدود والمعايير الموضوعية والمنطقية فأعتبر بعضهم نفسه – وبكلّ إستكبار  - ملوكا في مجالات عملهم ونشاطاتهم.... فمنهم، وإنطلاقا من قناعته بأن نتاجه الشخصي في مجال عمله هو في مرتبة عالية جدا ، تجعله - وبكلّ غرور- يعتبر نفسه وحده عالما  في كلّ شيء ومجال - وهو بالتالي- أستغفر الله-  " ربّا  وإلها " في مجال عمله ومهنته ونشاطه وأن كلّ ماعداه هم في مرتبة ادنى من المرتبة التي اعطاها هو لنفسه ... وهذا الغرور الفارغ يجعله متكبرا ومحتقرا كلّ الذين يعملون في النشاطات التي يقوم هو بها...وبالتالي فهو لا يقرّ ولا يعترف لهم بأي مكانة على الإطلاق .... 

بداية، إن تعليقي المتواضع، على هذه الظاهرة المتفشية كتفشي الوباء، هو أن من يُنصّب نفسه ملكاً  يكون في الواقع قد تجاوز الأعراف والقواعد المحدّدة وفق الأحكام والنظم الملوكية، لأن وليّ العهد الملكي نفسه لا يستطيع أن ينصّب نفسه ملكاً على عرش أبيه إلا وفق الأعراف الملوكية ذاتها ... وهذه أعراف لها قواعدها وأصولها ولها وحدها السلطة على تنصيب الملك ومسحه بالزيت الملوكي  - كما كانت العادة في الأعراف الدينية قديما وحاليا  -  وأن هذا الأمر يعود الى الشعب في مجال السياسة والى كبار رجال الدين في المجال الديني واللاهوتي والى الشعراء والأدباء بالنسية للشاعر والأديب، وإلا فإن الشخص الذي ينصّب نفسه أميرا أو ملكاّ يكون قد تجاوز الأعراف والتقاليد ويُعتبر مغتصبا للسلطة والمرتبة واللقب ... 

اما على صعيد الإدعاء بالملوكية في مجالات السياسة والشعر والأدب، إستنادا الى أن المُدّعي بها  ينظر الى نتاجه فقط بكلّ غرورٍ وتعالٍ، في حين أن الأمر يجب أن يرتكز الى ما يراه زملاءه والمطلعون على نتاجاته سواء السياسية أو الإجتماعية  أو الفكرية والأدبية، الذين يرون ويلمسون لمس اليد انها نتاجات رفيعة المستوى ورائعة وباهرة...  وهذا ليس أمرا سهلا وبسيطا لأنه يستوجب من الناظرين فيه الكثير من التعمّق والروية والتبصّر والحياد غير المنقاد بالمشاعر والأنانية أو التبعية العمياء ... وبالتالي هم الذين يكونون مقتنعين تمام القناعة بقدرته وموهبته وبالتالي أهليته لكي يُمنح هذا اللقب....فيقررون منحه المنصب الرفيع أو الرتبة الأميرية او الملكية في مجال عمله... 

وهنا لا بد لي من الإشارة – بكلّ فخر وإعتزاز مقرون بالشكر - الى أن شعراء الزجل في أستراليا هم الذين إنتخبوني ومنحوني رتبة رئيس "عصبة الزجل في سيدني"، وكذلك أشير الى أن الزميل والصديق جورج أبو أنطون قد تمّ إنتخابه من قبل زملائه شعراء الزجل لكي يكون رئيس " نقابة شعراء الزجل في لبنان" . وهذا الأسلوب الدمقراطي في تعيين أو تنصيب الشعراء والكتّاب في المراتب الرفيعة تمّ إعتماده منذ أيام الشاعر الكبير أحمد شوقي الذي منحه زملاؤه  لقب "أمير الشعراء "، وكذلك أعتمد هذا الأسلوب في أيام شاعر الزجل المعروف بـ "الشحرور  أو زغلول الدامور ... ".

وأن الواقع يثبت لنا - وبدون أي شك - إن من يدّعون بأن نتاجهم هو الأرفع والأسمى والأفضل، ويعتقدون بأنهم يعرفون كلّ شيء فإنهم - وبكلّ بساطة -  قد زاغوا في إدعائهم الباطل الى أقصى حدّ ويصدق فيهم قول الشاعر: 

قلّ للذي يدّعي في العلم معرفة علمت شيئا وغابت عنك أشياء

وبالتالي يُعتبر حكمه حكما تعسفيا وتصرفا أنانيا بعيدا كلّ البعد عن الحكمة والتواضع ... لأنه يرتكز فقط على الغرور الفارغ .. والكبرياء التي تُعتبر بحقّ "أمّ جميع الخطايا والزلات " وهي التي أدّت الى طرد آدم وحواء من الفردوس لأنهما  أرادا أن يتكّبرا على خالقهما ويضاهياه علما ومعرفة ، فحكم الله عليهما وعلى أحفادهما بالموت والفناء...  فهل هذا ما يبتغيه المُدّعون بالملوكية في الشعر والأدب والسياسة ؟؟!! 

بكلّ محبة وإخلاص وتواضع اقول: أملي هو أن يتعظ المُدّعون والمتكبرون بقول السيد المسيح :

 " من رفع نفسه متعاليا وضٍع ، ومن إتضع رُفع الى أعلى ..." . 

فلعلّ هذه الحكمة الإلهية تجعلنا نرتفع ونتسامى عن جدارة وإستحقاق ... الى المراتب التي نستحقها ...


0 comments:

إرسال تعليق